الرئيسية / الدورات الجماهرية / ممارس في هندسة النجاح / عقلك الباطن في الميزان الاسلامي بقلم : د. ميسرة طاهر

عقلك الباطن في الميزان الاسلامي بقلم : د. ميسرة طاهر

للاجابة على هذا السؤال احيلك الى مقالة الاخفى و السلوك التي كتبها د. ميسرة طاهر أستاذ علم النفس – جامعة الملك عبدالعزيز و المقالة منشورة في مجلة الإعجاز العلمي العدد التاسع صفر 1422هـ .
نص المقالة :

هناك جملة من الحقائق التي تعتبر مدخلا مهما لهذا الموضوع :
1 – أول هذه الحقائق أن هناك تغييرا كبيرا يصيب الحياة اليومية ويؤثر في سلوكنا اليومي سواء علمنا بذلك أم لم نعلم .
2 – إن الإنسان به من التعقيد ما لم يخطر بالبال وربما كانت درجة التعقيد الكبيرة التي يتمتع بها الإنسان واحدة

واحدة من المظاهر التي تكمن وراء جعل آيات الله تباركت أسماءه موزعة بين الكون الفسيح بكل ما يحويه وبين النفس البشرية ، ويبدو في ذلك قوله تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } وكأن الآية تقول : ” يا عبادي سأريكم روائع خلقي وإبداعي في الآفاق وفي أنفسكم حتى يتبين لكم وتتأكدوا أن هذا القرآن حق ” .
ولكن ما هي الآفاق ؟ إنها هذا الكون الفسيح بنجومه ومجراته وأفلاكه ، هذا الكون الذي يصعب على العقل البشري أن يتصور سعته . وليس من الحكمة أن ندخل في متاهات الحسابات الفلكية ولكن لنقف لحظات عند هذه الآفاق لنعرف فقط حجم اتساعها .
إن المسافة بين كل نجم وآخر تقاس بما يسمى السنة الضوئية ، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة . فإذا علمنا أن الضوء يقطع في الثانية
الواحدة (300.000) كم فإننا ببساطة نستطيع أن نعرف المسافة التي يقطعها في دقيقة وذلك بضرب الرقم السابق في 60 فتصبح المسافة 18 مليون كم ، وفي ساعة يقطع الضوء مسافة 10 مليار وثمانين مليون كيلومتر وفي اليوم الواحد يصبح
الرقم 25920.000.000 خمسة وعشرون مليار وتسعمائة وعشرون مليون كم ، وفي سنة يصبح الرقم 9.331.200.000.000 .
فإذا عرفنا أن هناك نجوما تزيد المسافة بينها عن ملايين السنين الضوئية عندها فقط نعجز عن قراءة الرقم لكبره ونستطيع أن نتصور ولو جزئيا اتساع هذا الكون .
ومع ذلك فإن نصف آيات الله في هذا الكون الفسيح والنصف الثاني في أنفسنا نحن البشر ، فالله تباركت أسماؤه يرينا آياته في كونه الفسيح وفي أنفسنا حتى يتبين لنا أن آيات الله في القرآن حق ، وبناء على ما سبق نستطيع القول إن فهم آيات القرآن ربما يمر من خلال فهم الإنسان ومن خلال فهم الكون وإذا عرفنا حقائق أكثر نستطيع فهم القرآن أكثر .
3 – إن معرفتنا بالنفس البشرية ينبغي أن نستمدها من مجالين اثنين الأول هو نتائج البحث العلمي الذي استخدم العقل والتجربة ، والمجال الثاني هو النصوص الشرعية ، ذلك أنني أومن أن من يريد أن يصل إلى نتائج أكيدة عليه أن لا يفعل أيا من هذين المصدرين لاعتبارات كثيرة أولها أن النفس البشرية هي من صنع الله تباركت أسماؤه وهو أدرى بما يصلحها . والثاني أن العقل هو أساس التحليل ورؤية السنن النفسية والكونية ولا يمكن أ، يكون هناك تعارض بين نص ونتيجة بحث على الإطلاق .

صحيح أن القرآن ليس كتاب علم نفس ولا كتاب علم اجتماع ولا كتاب لغة ولا تاريخ ولكنه كتاب وضع إطار عاما لكل هذه العلوم وتتطرق لتفصيلات محددة وبخاصة فيما يتعلق بالنفس البشرية ، وجاء النبي الكريم ليفصل في بعض هذه القضايا ، ونحن اليوم ينبغي أن نسير وفق قاعدة ربانية حددتها الآية الكريمة { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق }
وإذا كان الأمر بالتوحيد جاء ليشمل النص على فعل أمر واحد { قل هو الله أحد } فإن الأمر بالسير في الأرض للنظر في كيفية الخلق جاء بثلاثة أفعال أمر هي : قل
سيروا ، فانظروا …
ولم يكن في قول الله . تباركت أسماؤه . تحديد للخلق وإنما تركت الكلمة لتشمل كل أشكال الخلق من نبات وحيوان وبشر ومعجزات وكواكب ومياه وصخور ، وكذلك لتشمل كل ما له علاقة بالنفس البشرية فاللغة من المخلوقات التي تحتاج أن نبحث كيفية خلقها وتطويرها سواء عند شعب ما أو عند الفرد الإنساني ، ويشمل الخلق السلوك والذكاء والعواطف والانفعالات والمواهب والتذكر والنسيان والتواصل والتأثير والسواء النفسي والاضطراب والمرض النفسي والغيرة والبخل والكرم والحياة والموت .
نعم نحن بحاجة لمعرفة كيف يموت الموت ذلك أن الموت له مهمة في الحياة الدنيا فقط ولكنه في الآخرة ليس له وجود لأن الموت سيموت وإلا كيف يمكن أن يتحقق الخلود للمؤمن في الجنة وللكافرين في النار ؟
والسير في الأرض ليس ترفا ولكنه تحقيق لأمر الله سبحانه وتعالى وليتمكن الإنسان من تسخير هذا الكون تحقيق أمر الله في جعل الكون مسخرا له{وسخر لكم ما في السماوات والأرض}
ولتحقيق التسخير قلنا إنه لابد من تضافر العمل وفق مصدرين اثنين هما النصوص الشرعية والكون والأنفس البشرية .
4 – أما الحقيقة الرابعة فتكمن في أننا جميعا بلا استثناء يصدر ما يقرب من 60% من سلوكنا اليومي ونحن لا نعي الدوافع الحقيقية لهذا السلوك . وربما يحتاج الأمر إلى إيضاح لذا سألقي الضوء على الأبجدية أو اللغة الأساسية لفهم ذلك .
فالله عز وجل يقول في محكم كتابه في سورة الفرقان : { قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما } وقد ورد في سورة الأنعام قوله عز وجل { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } وفي سورة الزخرف يقول عز من قائل : { يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } وفي سورة التوبة قوله عز وجل : { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب } لذا دعونا نسأل أنفسنا كم مررنا على قول الله تعالى : { وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى } وهذه الآية تشير بوضوح إلى أن علم الله فيها يتناول قضية تخص الإنسان بالدرجة الأولى فهو تبارك وتعالى يشير إلى ثلاثة اصطلاحات :
1 – الجهر من القول .
2 – السر .
3 – الأخفى .

ونستطيع أن نقول إن سلوك الإنسان لا يعدو أن يكون واحد من ثلاثة :

1 – فإما أن يكون حديثي عن شيء أنا أعرفه والناس تعرفه والله يعرفه وهو العلن أي الشيء المعلن أو الجهر كما ورد في الآية .

2 – أو أن يكون سرا لا يعرفه الناس ولكن أنا أعرفه والله أيضا يعرفه . هذا السر مخفي عن الجميع ولكنه ليس مخفيا عن الله عز وجل فهو يعلم السر ، سر كل واحد منا .

3 – ويبقى النوع الثالث الذي تشير إليه الآية وهو الأخفى ؟ فإذا كان الجهر المعلن يعرفه الناس وأعرفه والله يعرفه. والسر ما أعرفه أنا ولا يعرفه الناس ولكن الله يعرفه .

فالأخفى إذن ما لا يعرفه الناس ولا أعرفه أنا وأنا صاحبه ولكن الله يعرفه . والملفت للنظر أن هذا الاصطلاح موجود في كتاب الله الكريم منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، ونقرؤه جميعا حين نقرأ سورة طه إلا أنه مصطلح لم نقف عنده بهذه الصورة ربما لأننا لم نملك الأبجدية المطلوبة .
وفي هذا يقول القرطبي عن ابن عباس : ” أن السر ما أسر ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله ” . (القرطبي ج11ص170) .

وقال مجاهد : ” وأخفى يعني الوسوسة ” . (ابن كثير ج3،ص144) . وقال البغوي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس : ” أن السر ما أسر ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله ”

وقال مجاهد : ” السر العمل الذي تسره من الناس وأخفى الوسوسة ، وقيل السر هو العزيمة وأخفى ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه ” . (البغوي ج3ص212) .
وقال الشوكاني : ” وقيل السر ما أسر الإنسان في نفسه والأخفى منه هو ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو ما لا يعلمه ” . (فتح القدير ج3ص357) . لقد انتبه أحد علماء النفس في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين أي منذ حوالي مائة سنة تقريبا واعتبر ذلك كشفا علميا كبيرا وقد أطلق عليه اسم اللاشعور أو العقل الباطن أو الهوا وكلها مصطلحات تعني أمرا واحدا ، ولعل الأفضل أن نسمي الأشياء بأسمائها وباصطلاحات قرآنية إن وجدت وسنتعامل مع هذا الجانب من حياتنا النفسية باعتباره الأخفى ، كما سنسمي الأفعال التي تصدر عنه باسم الأفعال اللاشعورية .

والسؤال لماذا الحديث عن هذه الحقيقة التي يدعمها القرآن الكريم ؟ والجواب أن 60% من سلوكنا اليومي ومن أفعالنا وأقوالنا مصدرها الأخفى . بمعنى أنني لا أعرف السبب الحقيقي لحوالي 60% من سلوكي اليومي ، ولكنني إذا سئلت لماذا فعلت أمرا ما فسيكون عندي مبرر عقلي أستطيع أن أقدمه ، بمعني أنني أستطيع أن أقدم المبرر أو السبب العقلاني الذي يقنع الآخرين ، إلا أن السبب الحقيقي لذلك السلوك يبقى كامنا في أعماقي أي في الأخفى ، في المكان الذي لا أعرفه .

ولكن ماذا يحوي الأخفى ؟
الأخفى هو النظام العصبي الذي يشمل الآتي :
1 – المهارات والمكتسبات المتعلمة ، والتي تم تعلمها في الوعي ثم انتقلت إلى الأخفى بعد أن تم إتقانها وصارت عادة سواء منها ما يتعلق بعادات الطعام والشراب والجلوس والمشي والكتابة والقراءة والتفكير … إلخ أو غيرها …

2 – البرامج المتعلقة بإدارة أجهزة الجسم (الذي يحكم التنفس وضربات القلب والغدد العرقية وإفراز الغدد الصماء 000إلخ ) .
3 – جميع الذكريات الحسنة والسيئة .
4 – القيم والمعتقدات والاتجاهات .
ومن المهم التأكيد على أن المنفذ الوحيد لهذا كله هو العقل الواعي ، فليس للأخفى طريق إلى العالم الخارجي إلا عبر الوعي ، ومن هنا كان من المهم أن لا ندخل إلى وعينا إلا الصواب لأن كل الأفكار غير الصائبة التي قبلها العقل الواعي سوف تدخل إلى الأخفى لتستقر فيه ، فإذا رأى أحدنا أو سمع أو أحس بشيء منكر فمن الحكمة أن يغيره فإن لم يستطع تغييره بيده أو بلسانه فمن الحكمة أن ينكره بقلبه حتى لا يستسيغه عقله الواعي ومن ثم يقبله الأخفى باعتباره أمرا مستساغا لاسيما وأن الأخفى لا يناقش المعلومات التي ترده من العقل الواعي والدليل على ذلك أن فعل المنكر ينكت في الأخفى نكتة سوداء وإذا تكرر فعل المنكر تكررت النكتة السوداء في هذا الأخفى حتى يسود فعلا يحلل حلالا ولا يحرم حراما ذلك أن الأخفى كما قلنا لا يميز ما يرده من العقل الواعي . وقد يجد القارئ نفسه مضطرا لطرح سؤال مهم هو : ما أدلة وجود هذا الأخفى في الحياة اليومية؟
الأدلة على وجود الأخفى .

هناك العديد من الأدلة أهمها الآتي :

1 – المخاوف الشاذة :
فكثيرا ما نرى كبارا وصغارا يخافون مما لا ينبغي الخوف منه كالظلام ، والأماكن المرتفعة ، والأماكن المغلقة ، والقطط ، والفئران ، والصراصير ، وبعض الحيوانات الأليفة الأخرى ، والمقابر …… إلخ .
إن مثل هذه المخاوف لا يمكن أن نجد لها تفسيرا على مستوى العقل الواعي وإذا فسر أحدهم خوفه من الظلام فإن التفسير يحتاج إلى تفسير وغالبا ما يقول : لا أعرف ولكنني أتضايق كثيرا حين أكون في الظلام …
2 – فلتات اللسان :
وهي الكلمات التي نتفوه بها دون إرادة منا كقول أحدهم وهو يتحدث للطرف الأخر الذي يزمع عقد صفقة معه : إن لقاءنا أنحسن مناسبة لعقد الصفقة وهو يقصد القول ” أحسن ” وكقول آخر لشخص : أشكر الله على ما أنت فيه من نقمة وهو يريد أن يقول ” نعمة “.
وعند اكتشاف الفرد لمثل هذه الفلتات فغالبا ما يعتذر عنها ويقول لم يكن قصدي أن أقول هذا ، إذن من الذي دفعه لقول مثل ذلك ؟ لا شك أنه الأخفى الذي أراد أن يعبر عما يخزنه من رغبات مكبوتة وجدت عند ارتخاء الوعي فرصة للخروج إلى السطح .

3 – النسيان :
نحن جميعا ننسى ولكن لماذا ننسى ؟ وهل ننسى كل شيء ؟ والجواب يتطلب حديثا طويلا عن النسيان ، إلا أننا سنكتفي بالقول إن للنسيان أسباب كثيرة منها التعب ، ومنها غير التعب فنحن ننسى أحيانا ونحن في قمة راحتنا ، ألم ينسى بعضنا موعدا مع طبيب الأسنان ونحن في أمس الحاجة للذهاب إليه ؟
ترى لماذا ؟ لا شك أن النسيان في مثل هذه المواقف و ما شابهها هو نسيان لما نكره أو لما نشعر أننا سوف نتألم بسببه أو لأننا قد نقلق و نتضايق إذا نحن تذكرنا ما نسيناه . نعم إن الأخفى ينسينا ذلك وفق منطق يحكمه و هو حرصه على دفع الألم عنا و جلب الراحة و المتعة لكن بطريقته الخاصة و هي طريقة تشبه إلى حد بعيد منطق الأطفال في مواجهة المتاعب .
4 . إضاعة الأشياء :
إن فقد الأشياء أمر يتعرض له كل الناس و لكن هل نفقد هذه الأشياء فقط لأننا تعبون ؟. أم أننا قد نفقدها أحيانا ً مع تمتعنا بأعلى درجات الراحة ؟ و إذا حدث ذلك فمن المسئول عن هذا الفقدان هل هو العقل الواعي أم الأخفى ؟ ألم ينسى أحدنا يوما المكان الذي أوقف فيه سيارته ؟ و هل كان ضياع مكان إيقافها لأنها سيارة رائعة أم لأنها كانت سيارة متعبة كثرت أعطالها ؟ يغلب على الظن أننا نضيع مكان السيارة حين تصبح و متعبة و مصدر إزعاج . عندها يريد الأخفى أن يريحنا و لكن مرة أخرى و على طريقته الخاصة .
5. تحطيم الأثاث :
بنفس المنطق أننا نحطم ما لا نريد أو ما لا يعجبنا و قد يتكون عدم إعجابنا بقطعه أثاث لأن من نحب أعرب عن عدم ارتياحه لوجودها , أو لأنها ضارت بالية , أو أن غسيلها يجلب التعب لنا …..
6. الأفعال العرضية :
كأن نضع مفتاح السيارة في قفل البيت بدل وضعه في قفل السيارة ولو عدنا لمناقشة الأخفى لوجدنا أن لدينا رغبة في تلك اللحظة أن نبقى في البيت بدل الخروج , أو نضع مفتاح المكتب في قفل البيت .
7. ألعاب الأطفال :
من يراقب ألعاب الأطفال يتأكد أنهم يخرجون من أخفاهم كل ما يضايقهم ليصبونه على ألعابهم سواء بالحركات أو بالكلمات .
8. أحلام النوم :
إن أحلام النوم يغلب أن تكون تعبيرا عن رغبات مكبوتة أو أماني لم تتحقق أو ربما مخاوف يخزنها الأخفى فتخرج بصورة رمزية في كثير من الأحيان…..
و يستطيع الأخفى أن يدرك من الآلام ما لا يدركه الوعي ذلك أنه قادر على التعامل مع عتبة الحس المنخفضة فتتجمع مثل هذه الأحاسيس و تتشكل أحيانا على هيئة أحلام بتوقع المرض و في بعض الأحيان يصدق ما أحس به الأخفى و يظهر المرض .

من هو العقل الواعي و من هو الأخفى ؟
يمكن تشبيه العقل الواعي بربان السفينة في حين أن الأخفى أشبه ما يكون بعمال المحركات الذين يقبعون بالجزء المخفي من السفينة , فهم لا يتدخلون في توجيه السفينة و لكنهم ينفذون الأوامر التي تصدر لهم من ربانها . هم لا يناقشون الربان ولكنهم يساعدونه على تحويل أوامره إلى إجراءات .
كيف يعمل الأخفى ؟.
1. يعمل الأخفى ضمن قانون اعتقاد , بمعنى أنه يقبل كل ما يرد له من أفكار من العقل الواعي دون أن يناقشه فيها فهي عنده مصدقة و كل فكرة نعتقد بصحتها حتى لو كانت خرافة فإن الأخفى يقبلها باعتبارها معتقد مصدق , و لعل التاريخ الإنساني مليء بأمم تعبد الحجارة و تعتقد أنها تنفعها وتضرها وكان الأخفى عند هؤلاء الناس يصدق ذلك . بل إن أناسا كثيرين اعتقدوا أنهم مصلحون وكان سلوكهم يدل على أنهم مفسدون :
( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) سورة البقرة

2- عمله هو السلوك الصادر عنا وهذا السلوك هو استجابة الأخفى للأفكار التي تعطى له من العقل الواعي مما يعني أن تعديل السلوك يتطلب تعديل الأفكار التي يعطيها وعينا للأخفى لذا كان التغيير الخارجي وهو سلوك أفراد ألأمه مرتبط بالأفكار التي يحملها الاخفى عند كل منهم وهذا مصداق قوله.عز وجل ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ولهذا السبب لا ينبغي إن نسمح لعقولنا الواعية إن تقبل الأفكار الخاطئة لأن قبول العقل الواعي للفكرة الخاطئة يعني شيئا واحدا وهو قبول الاخفى لها ورد الاخفي على ذلك هو إصدار السلوك المناسب لتلك الفكرة ولنقرأ معا هذه الأحاديث مجتمعه:

 حدثنا يزيد بن هارون حدثنا أبو مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة أنه قدم من عند عمر قال : لما جلسنا إليه أمس سأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : أيكم سمع قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم . في الفتن ؟ فقالوا: نحن سمعناه ؛ قال : لعلكم تعنون فتنه الرجل في أهله وماله ؟ قالوا : أجل قال : لست عن تلك اسأل ؛ تلك يكفرها الصلاة والصيام والصدقة؛ ولكن أيكم سمع قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الفتن التي تموج موج البحر ؛ قال فأمسك القوم وظننت أنه إياي يريد ٌلت : أنا ؛ قال لي : أنت لله أبوك ؛ قال: قلت : تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير ؛ فأي قلب أنكرها نكتت فبه نكتة بيضاء ؛ وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ؛ حتى يصير القلب على قلبين ؛ أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ؛ والأخر أسود مربد كالكوز مجخيا (وأمال كفه) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ( مسند أحمد الحديث رقم 22193 ) .

نعم حين تسيطر الأفكار السالبة على العقل الواعي فإن السلوك الذي يصدر عن الأخفى هو سلوك مناسب لها حين لا يجد في جعبته ما يميز فيه بين الحلال والحرام. ولعلنا نستطيع أن نفهم الفرق بين من يفعل المعاصي وهو يؤمن بأنه معصية وبين من يفعلها وهو مؤمن ومعتقد بأنها ليست معصية . فالأول عاصي يستطيع العودة إلى الجادة بسهولة أكبر ممن صار قلبه كالكوز مجخيا ؛ أنه هوة ذاته الذي يسيطر الرين أو الصدأ على قلبه كما ورد في الآية ( بل ران على قلوبهم)
عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أن المؤمنين إذا أذنب كانت نكته سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ؛ فإن زاد زادت ؛ فذلك الران الذي ذكره الله قي كتابه ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )
( ابن ماجة ؛ الحديث رقم 4234 )
وفي حديث آخر :
حدثني مالك أنهم بلغهم أن عبد لله بن مسعود كان يقول: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلي البر والبر يهدي إلى الجنة ؛ وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار إلا ترى انه يقال: صدق وبر ؛ وكذب وفجر ؟ وحدثني مالك أنهم بلغهم انه قيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل, فقال لقمان: صدق الحديث, و أداء الأمانة , و ترك ما لا يعنيني, و حدثني مالك انهم بلغهم إن عبد الله بن مسعود كان يقول: لا يزال العبد يكذب و تنكت في قلبه نكتة سوداء , حتى يسود قلبه كله فيكتب عند الله من الكاذبين . (موطأ مالك) .
و في الحديث:
عن أبي هريرة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-قال:إن العبد إذا اخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء , فإذا هو نزع و استغفر و تاب صقل قلبه , و إن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه , و هو الران الذي ذكر الله : } كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون{قال : هذا حديث حسن صحيح (الترمذي,الحديث رقم 3257).
3.الأخفى سريع الاستجابة للعقل الواعي وما يودعه فيه من أفكار وبخاصة لدى الصغار والمراهقين من الناس وقليلي الخبرة والفهم من الكبار.

4.الأخفى لا يتعامل مع الأفكار التي تصل إليه من العقل الواعي بعقلانية ولا يحاكمها لأن مكان محاكمتها هو العقل الواعي فإذا مرت منه وهي خاطئة ولم يكتشف العقل الواعي خطأها فلا نظنن أن قادر على كشفها فهو يصدقها حتى لو كانت خرافة.

ربما مر البعض منا على هذه الآيات و الأحاديث مئات إن لم يكن آلاف المرات,هل خطر ببالنا أن يكون الأخفى كما وصفناه, وما الذي جعلنا الآن نفهم الأخفى بهذه الصورة ؟ ببساطة إن توفر قدر معقول من الفهم للنفس البشرية يمكن الإنسان من قراءة النصوص المتعلقة بها بصورة أخرى تماما كما يستطيع عالم الفلك أن يقرأ الآيات المتعلقة بالفلك بطريقة أفضل مني وذلك لتوفر معرفة فلكية لديه.

 

إذن النفس لو لم يكن بها هذا القدر من التعقيد لما استحقت أن يكمن 3شقبها نصف آيات الله , ولكن لا يعني هذا إن هذا التعقيد يستعصي على الفهم .
لسبب وجيه جدا وهو إن هذه النفس تحكمها قوانين وسنن بلغة القران ومن عرف هذه السنن سهل عليه التعامل معها .
وعدم معرفة هذه السنن هي السبب الكامن وراء الخلاف الذي حصل بين موسى عليه السلام وبين العبد الصالح الذي أدرك ومنذ البدء أن موسى عليه السلام لن يستطيع الصبر على أمر لا يعرف كنهه وهذا أمر أثبت العلم الحديث اليوم طبيعته من خلال التأكيد على إن الإنسان يزداد قلقه كلما كانت مساحة الغموض كبيرة وهذا ما عبر عنه العبد الصالح حين قال لموسى :
فكأنه يريد أن يقول لموسى : إن من يعرف أكثر يصبر أكثر , ومن يحط بالأمر يصبر أكثر . ومن يفهم أكثر بأمر ما يصبر أكثر وبالمقابل فان مساحة الصبر تتراجع وتضيق كلما قل العلم والخبرة بالقضية موضوع البحث.

مخاطر يمكن تجنبها أثناء التعامل مع الاخفى:

لا تخاطب الأخفى بعبارات سلبية من قبيل :
1. أنا لا أحب .
2. أنا لا أستطيع .
3. أنا لا أقدر .
4. ستكون الأمور أسوأ.
5. لا بد من وقوع الكارثة…

إن كل هذه العبارات منهي عنها ومطلوب من المؤمن أن يتفاءل بالخير كما قال – عليه الصلاة والسلام – حدثنا أبو اليان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة إن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله.صلى الله عليه وسلم يقول لا طيرة وخيرها الفأل , قالوا : وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم (صحيح البخاري . الحديث رقم5313) ونستطيع أن نفهم ألان قوله . تباركت أسماؤه إن عند حسن ضن عبدي , وان معه إذا ذكرني ؛ فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم , وان تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وان اقترب إلي ذراعا تقربت إليه باعا , وان أتاني يمشي أتيته هرولة(البخاري, الحديث رقم 6858) . ذلك إن ظن الحسن بالله يجمع الطاقة ويقلل الانفعال ويعين العقل الواعي على التفكير الحسن ويخرج من الأخفى أكبر طاقة ممكن مما يجعل العبد أقدر على الوصول إلى حلول الصحيحة.

ماذا نفعل؟

لا بد من تطوير معرفتنا عن الاخفى من خلال الوسائل آلاتية: زيادة مساحة فهمنا سواء
بالقراءة , أو بحضور الدورات التي يعقدها المختصون أو باستشارتهم عند الحاجة , ذلك أن المختصين هم أكثر الناس معرفة بطرق الاخفى وما يمكن أن يترتب على بعض مخزناته من أمراض جسمية الظهر نفسية المنشأ.
إن اللجوء إلى المراكز النفسية للاستعانة بآراء المختصين يوفر على أصحاب المشكلات الكثيرة من الآلام كما يعينهم على توصيف الطاقات الهائلة الموجودة في الاخفى لديهم لتطوير أنفسهم وعلاج مشكلاتهم.

و اقول ( د. نجيب ) و ايضا حضور الدورات المتخصصة او قراءة بعض الكتب التي تشرح هذا الموضوع و في مقدمتها قوة عقلك الباطن لجوزيف ميرفي ايضا ممكن ان يساعد .

عن الدكتور نجيب الرفاعي

الدكتور نجيب الرفاعي مؤسس و مدير عام مهارات للاستشارات و التدريب و الذي تأسس عام 1995 و يقدم دورات تخصصية في مجال تنمية الفرد و الاسرة

شاهد أيضاً

كيف عالجت صداع مزمن بالايحاء الذاتي؟

يتعلم منتسبي دورة هندسة النجاح طرق متعددة بالعلاج و تغيير المعتقد المسبب للمرض و منها …